أبو عبيدة احمد سعيد يكتب..في زمن الأزمات: السودان بحاجة إلى رئيس وزراء براغماتي لا أيديولوجي

في ظل الحرب المشتعلة التي أنهكت السودان وأغرقت شعبه في دوامة من المعاناة الإنسانية والانهيار الاقتصادي والاجتماعي، تقف البلاد أمام مفترق طرق سياسي حاسم. بات من الواضح أن السودان لا يحتاج إلى رئيس وزراء يُمثل حزبًا سياسيًا أو يروج لأيديولوجيا بعينها، بل يحتاج إلى قيادة تنفيذية براغماتية تضع المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار.
البراغماتية هنا ليست مجرد تكتيك سياسي، بل هي ضرورة وجودية. فالدولة المنهكة لا تتحمل ترف الشعارات أو المعارك الفكرية، بل تحتاج إلى شخصية سياسية عملية، مرنة، تنظر إلى الواقع كما هو وتسعى لإيجاد حلول واقعية قابلة للتطبيق، حتى وإن جاءت من خارج قوالب التفكير التقليدي أو القناعات الحزبية الجامدة.
من هو رئيس الوزراء الذي يحتاجه السودان؟
إن السودان اليوم بحاجة إلى رئيس وزراء:
• محايد سياسيًا، لا يميل لطرف دون آخر، بل يتعامل مع الجميع باعتبارهم شركاء في إنقاذ الوطن.
• يمتلك رؤية تنموية واضحة ترتكز على الأولويات: الأمن، الاقتصاد، الخدمات، وبناء المؤسسات.
• يتمتع بعلاقات دولية فاعلة، قادر على إعادة السودان إلى الخريطة الدبلوماسية والاقتصادية للعالم، وتعبئة الدعم الدولي لإعادة الإعمار.
• يتبنى الحوكمة الرشيدة، ويرتكز على الشفافية والمساءلة، لا على الولاءات السياسية أو القبلية.
• يؤمن بالنتائج لا الشعارات، وبالعمل الميداني لا المنصات الخطابية.
العدالة والمساواة في عصر مختلف
لقد تغيّر مفهوم العدالة والمساواة في عالم اليوم. لم تعد العدالة مجرد ترديد لشعارات الثورة، بل أصبحت مرتبطة بالقدرة على تقديم خدمات عادلة، توزيع الفرص، وتمكين المواطن من حقوقه الأساسية. والمساواة اليوم ليست في الخطاب، بل في إزالة التمييز الممنهج في الصحة والتعليم والوظائف. وهي قضايا لا يمكن حلها بخطاب أيديولوجي، بل بإدارة حكيمة ومهنية تضع السياسات في إطار الممكن والمفيد.
خلاصة القول
السودان، الذي عانى من عقود من الصراعات والانقسامات والفساد، يحتاج اليوم إلى قيادة ذات طابع تنفيذي، تقوده عقلية براغماتية تتحدث بلغة المصالح الوطنية، وتعمل على بناء الدولة بعيدًا عن استقطابات الماضي. رئيس الوزراء القادم يجب أن يكون رجل نتائج لا رجل أيديولوجيا. فبينما تنهار المدن وتُزهق الأرواح، لا مكان للأفكار المجردة أو المناكفات السياسية، بل للحلول العاجلة والحكمة والواقعية.
ولا بد من التأكيد هنا على أن المصلحة العليا للسودان يجب أن تكون هي البوصلة في أي قرار سياسي أو اقتصادي، خاصة في ظل عالم مضطرب تحكمه المصالح والتحالفات المتبدلة. من لا يرى هذه الحقائق بعيون مفتوحة، سيقود البلاد إلى مزيد من العزلة والضعف، وهو ما لا يحتمله السودان اليوم.