أخبار عاجلةمقالات

التعليم الخاص بكسلا… المستجير من الرمضاء بالنار

 

 

 

عقب المؤتمر الصحفي الذي عقد بفضائية كسلا ومن خلاله تم تحديد والاعلان عن بداية العام الدراسي لولاية كسلا لكل المراحل الدراسية وبناء علي ما جاء في ذلك المؤتمر من تعريض للمعلمين الذين يطالبون بضرورة صرف استحقاقاتهم ورواتبهم كامله قبل العمل الامر الذي دفع السيد وزير التربية والتوجية المكلف الاستاذ عثمان عمر عثمان بوصفهم ببعض النشاذ وطالبهم بتقديم الواجب علي الحقوق كل ذلك جعل اغلب المراقبين يتوقع سناريو العام الماضي وعدم انتظام العملية التعليمية بالمدارس الحكومية

وفي ظل الانهيار المتكرر للنظام التعليمي الحكومي وتوقف العملية التعليمية بولاية كسلا ،، اضحي الخيار الاجباري لاغلب اولياء الامور البحث عن فرص التعليم لابناءهم في المدارس الخاصة وهو الخيار الاوحد المتاح امامهم وعلي الرغم من صعوبته في ظل الاوضاع الاقتصادية الطاحنة الا انهم لم يجدوا امامهم بدا غيره !!!

لكن هذا الخيار الذي يُفترض أن يكون بديلاً نوعياً، أصبح اليوم عبئاً ثقيلاً على الأسر، وواجهةً زائفةً لتعليمٍ ينهار من الداخل، حيث تُرفع اللافتات البراقة لمدارس تفتقر لأبسط المقومات، وتُجبى الرسوم بمليارات الجنيهات دون أي التزام بمعايير الجودة أو حتى الكرامة التعليمية.

ويقول ابراهيم طاهر الحسن احد أولياء الأمور بغضب واضح

> “أصبحت المدارس الحكومية مجرد مبانٍ صامتة، لا معلمين ولا حصص ولا انتظام، فاضطررنا ان نُسجّل أبناءنا في مدرسة خاصة رغم أن رسومها مليار ومئتا ألف، وإلا ستفقد ابنتي عاماً دراسياً كاملاً ومع ذلك تحملنا ما هو فوق طاقتنا لكن المؤسف انه وبعد هذه المبالغ الطائلة تعود ابنتي يوما تشكوي من الزحام وتكدس الطالبات في غرفة ضيقة مما تسبب لها في التهابات ومرض جديد

هكذا، يتحول التعليم من حق مجاني تكفله الدولة إلى سلعة تُباع وتشترى، دون رقابة أو ضوابط او معايير لتلك المدارس .

القطاع الخاص في التعليم بكسلا لم يعد خياراً إضافياً كما في الماضي، بل صار ملاذاً إجبارياً لمن أراد أن يتعلّم ابنه، حتى ولو في قاعة مكتظة، أو تحت سقفٍ من الزنك. كما هو الحال في الكثير من ما تتطلق عليها مدارس خاصة في كسلا .ولعل من المفارقة أن هذه المدارس التي تتقاضى رسوماً تصل إلى مليار و200 ألف جنيه للطالب الواحد، تفتقر لأبسط المقومات التربويةحيث تجد الفصول ضيقة تكتظ بأكثر من خمسين طالباً ففي الاصل ان المبني تم تشيده كمنزل تم استئجاره وتوظيفة ليصبح بقدرة قادر الي مدرسة فنجد ان ما يعرف بالفصل في تلك المدارس ماهي الا غرفة في افضل الحالات تكون غرفة اربع في اربع ولهذا نجدان التهوية سيئة، والمقاعد متهالكة مع انعدام تام لاي ساحات او براح لطلاب

ومع هذا تواصل هذه المدارس فتح أبوابها للتسجيل بلا حدود، وكأنها أسواق تجارية لا مؤسسات تربوية كل ما يهمهم في ذلك الربح وليكون الربح هو الهدف الأول لهذه المدارس والتعليم مجرّد غطاءٍ لتجارةٍ مربحة باسم المستقبل والسؤال الذي يبرز ماهي معايير التصديق؟ واين ادارة التعليم الغير حكومي بوزارة التربية والتوجية من هذا ؟؟

السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح: ما هي معايير التصديق لهذه المدارس؟ وكم تدفع تلك المدارس في مقابل ان تمنح الترخيص لمزاولة العمل ؟؟

هل تُراقبها وزارة التربية والتعليم؟

هل تُجرى زيارات ميدانية لتقييم بيئتها؟

هل يُحاسب من يمنح تراخيص لمبانٍ لا تصلح حتى لرياض الأطفال؟

وفي هذا السياق قدم الاستاذ معتذ ابراهيم قرجن مقترحا لايخلو من الطرافة حيث قال علي الوزارة طرح المدارس الحكومية في مزاد علني للقطاع الخاص ورفع يدها عن التعليم نهائيا وعلي ان يتم اغلاق تلك الوزارة وتوظيف مواردها في مشروعات تنموية اخري .

كما اشارت مصادر تربوية تحدثت لـ”الصحيفة” كشفت أن كثيراً من هذه المدارس الخاصة تحصل على التصديق عبر العلاقات أو الوساطات، وبعضها يستغل حالة الفوضى الإدارية التي تمر بها الوزارة منذ الحرب وتدهور الأوضاع الاقتصادية.

حتى المدارس التي تُسجَّل رسمياً لا تُجدد تراخيصها وفق المعايير المفروضة، ومع ذلك تواصل العمل والتوسع في القبول.

الجباية بدل الجودة

من المؤسف أن تتحول مؤسسات التعليم إلى أدوات جباية.

فبدلاً من أن تُنافس على جودة المعلمين والمناهج والبيئة الصفية، تتنافس اليوم على حجم الرسوم والزي المدرسي الإجباري والأنشطة المدفوعة.

لقد أصبح العام الدراسي مشروعاً اقتصادياً يُنهك الأسر التي بالكاد تملك قوت يومها في ظل اوضاع اقتصادية مازومة .

إن ترك القطاع الخاص ليعمل بلا رقابة هو خيانة لجوهر التعليم.

فالتعليم ليس سلعة، بل استثمار في الإنسان، ومسؤولية وطنية.

غياب الدولة عن مدارسها الحكومية، وعدم التزامها بصرف مرتبات معلميها، فتح الباب أمام هذا التوحش التجاري الذي يستغل معاناة الناس.

وإن لم تُتخذ خطوات عاجلة لإعادة الاعتبار للتعليم العام، ووضع ضوابط صارمة لمدارس القطاع الخاص، فإننا أمام جيلٍ ضائعٍ بين مدرسة مغلقة بلا معلم ومدرسة مفتوحة بلا تعليم.

من يحمي التعليم من تجّار التعليم؟

إن أزمة التعليم بكسلا ليست أزمة رواتب فقط، بل أزمة رؤية وعدالة اجتماعية.

فبين معلمٍ بلا راتب، وولي أمرٍ مثقلٍ بالرسوم، وطالبٍ تائهٍ بين مدارس مكتظة، تضيع القيم الحقيقية للتعليم.

ويبقى السؤال مفتوحاً أمام السلطات التربوية بكسلا

من يضع الحد الفاصل بين مدرسة تُعلِّم… ومدرسة تُتاجر؟

الله المستعان

البلد نيوز

البلد نيوز صحيفة إلكترونية تهتم بالشأن المحلي والعربي والعالمي معًا، مستندة على المصداقية ونقل الصورة كما هي للأحداث، وتمنح البلد نيوز للمبدعين والكتَّاب ساحة للإبداع وطرح الأفكار، وتسعى إلى دعم كل ما هو جديد ومفيد في شتى المجالات.
زر الذهاب إلى الأعلى