السودان يدفع بوثائق جديدة لـ «مجلس الأمن» تتهم الإمارات بتجنيد مرتزقة للدعم السريع

بورتسودان:وكالات
قدم مندوب السودان الدائم لدى الأمم المتحدة الحارث إدريس، وثائق جديدة إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي تؤكد تورط الإمارات في تجنيد مرتزقة أجانب لصالح قوات الدعم السريع.
ولم يفصل مجلس الأمن في شكوى السودان التي رفعها ضد الإمارات في 29 مارس 2024، طالب فيها باتخاذ إجراءات تُجبر أبو ظبي على وقف دعم ورعاية وإسناد الدعم السريع.
وقال الحارث في الرسالة التي قدمها إلى رئيس مجلس الأمن كيم سانغين والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إنه “يحيل أدلة مقلقة وموثقة جيدًا بشأن التدخل المباشر للإمارات، بما في ذلك تجنيد وتمويل ونشر مرتزقة أجانب للقتال مع الدعم السريع، بناءً على تعليمات الحكومة السودانية”.
وأوضح أن هذا التدخل الذي أطال أمد الحرب ودمر البنية التحتية الحيوية وتسبب في معاناة لا توصف للمدنيين، يُعد انتهاكًا جسيمًا لسيادة السودان والقانون الدولي الإنساني، كما يمثل تهديدًا مباشرًا للسلم والأمن الإقليميين.
وأشار إلى أن السلطات السودانية جمعت أدلة تُظهر أن شركات أمنية خاصة مقرها الإمارات جنّدت بين 350 إلى 380 مرتزقًا، معظمهم من الجنود والضباط المتقاعدين في الجيش الكولومبي، حيث تم التعاقد معهم بشكل خادع تحت ذريعة تقديم “خدمات وأمن وحماية”، لكن في الواقع نُقلوا إلى السودان للقتال.
وذكر أن الشركات الأمنية التي تُجند المرتزقة تشمل “مجموعة خدمات الأمن العالمية” المملوكة للمواطن الإماراتي محمد حمدان الزعابي، إضافة إلى “الوكالة الدولية للخدمات” التي شارك في تأسيسها العقيد الكولومبي المتقاعد ألفارو كويخانو الذي يعمل من مدينة العين.
وقال الحارث إدريس إن المرتزقة نُقلوا جوًا من الإمارات إلى مدينة بوصاصو في إقليم بونتلاند بالصومال، وصولًا إلى بنغازي في ليبيا تحت إشراف تابعين للجنرال المتقاعد خليفة حفتر، قبل نقلهم عبر الصحراء مرورًا بتشاد إلى داخل السودان.
وأفاد بأن السلطات حددت تنفيذ 248 رحلة ــ بإجمالي 15,268 ساعة طيران ــ خلال الفترة من نوفمبر 2024 إلى فبراير 2025، بواسطة طائرات مستأجرة من قبل الإمارات، لتهريب المرتزقة والأسلحة والمعدات العسكرية إلى داخل الأراضي السودانية، لا سيما إلى نيالا والفاشر وحمرة الشيخ.
وأعاد الدعم السريع تشغيل مطار نيالا بجنوب دارفور بعد فترة من سيطرتها على الولاية، حيث هبطت أول رحلة في 21 سبتمبر 2024، قبل أن تُعزز حمايته بأنظمة تشويش ودفاع جوي.
وتستخدم قوات الدعم السريع مهابط ترابية في عدد من المناطق لاستقبال الرحلات التي تُجلب الأسلحة والعتاد وإجلاء الجرحى.
وأوضح الحارث إدريس أن أول دفعة من المرتزقة الكولومبيين والبالغ عددهم 172 وصلت إلى الفاشر في نوفمبر 2024، تلتها دفعات أخرى لاحقًا، حيث شاركوا في الحصار العسكري الحالي والهجمات على المدينة.
وشدد على أن المرتزقة الأجانب قاتلوا في الخرطوم وأم درمان والجزيرة والنيل الأبيض وسنار والنيل الأزرق وكردفان ودارفور، حيث تمثلت مهامهم القتالية في تشغيل طائرات بدون طيار تابعة لقوات الدعم السريع، والمدفعية، والمركبات المدرعة، والمشاركة في الهجمات المباشرة.
وأوضح أن الحكومة السودانية حصلت على كتيبات تدريب مفصلة أعدها المرتزقة لمقاتلي الدعم السريع، تتضمن التدريب على حرب المدن، وتكتيكات القتال في الميدان المفتوح، والتنسيق في إطلاق النار، واستخدام الأسلحة الثقيلة.
وأضاف: “من بين أكثر الأمور إثارة للقلق، وجود أدلة على قيام المرتزقة بتدريب أطفال جنود تتراوح أعمارهم بين 10 إلى 12 عامًا”.
وبيّن الحارث إدريس أن المرتزقة الأجانب تورطوا في ارتكاب انتهاكات جسيمة، منها القتل خارج نطاق القانون، حيث قُتل 73 مدنيًا برصاص القناصة والمدفعية والطائرات المسيّرة الانتحارية والمداهمات، وتدمير 115 مبنى مدني خلال الفترة بين 22 يناير و11 فبراير 2025 فقط.
وذكر أن المرتزقة الكولومبيين دربوا القُصّر والأطفال مباشرة على استخدام الأسلحة والعمليات القتالية.
وأشار إلى أن الحكومة حصلت على “أمر عمليات سري مكون من 18 صفحة، مكتوب باللغة الإسبانية ومؤرخ بتاريخ 1 ديسمبر 2024 من الفاشر، يوضح نشر وحدة المرتزقة الكولومبية تسمى كتيبة عمليات (ذئاب الصحراء)، ويحدد سلسلة القيادة، وبروتوكولات العمليات، وأهداف المهام”.
وكشف الحارث أن الأمر يتحدث عن استخدام ذخائر تشمل الفوسفور الأبيض، الذي يُحظر استخدامه في المناطق المدنية بشدة بسبب آثاره الحارقة الخطيرة.
وتابع: “يُقيد البروتوكول الثالث من اتفاقية الأسلحة التقليدية استخدام الأسلحة الحارقة مثل الفوسفور الأبيض في المناطق المأهولة بالسكان من قبل المرتزقة – الذين لا يتمتعون بوضع قانوني – ويُعد ذلك جريمة حرب بموجب القانون الدولي العرفي”.
وأردف: “إدراج مثل هذه الذخائر المحظورة في أمر عمليات رسمي لوحدة مرتزقة يُظهر وجود استراتيجية متعمدة لإلحاق أضرار عشوائية وغير متناسبة وغير مشروعة بالمدنيين في مدينة الفاشر”.
وبدأت الدعم السريع تحاصر مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور في أبريل 2024، قبل أن تشن عليها هجمات في الشهر التالي لا تزال متواصلة في محاولة للسيطرة عليها.
وتمنع القوات وصول الإغاثة والسلع والأدوية إلى الفاشر، مما أدى إلى تفشي أزمة جوع واسعة النطاق، بالتزامن مع ارتكابها انتهاكات بشعة تتضمن الاستعباد والعنف الجنسي والقتل على أسس عرقية والتهجير القسري.
وشملت الرسالة وثائق تشير إلى قوائم بالأسلحة والإمدادات التي طلبها المرتزقة من العقيد الكولومبي ألفارو كويخانو في مدينة العين الإماراتية، وتشمل بنادق وذخائر ووجبات غذائية ومستلزمات طبية وعوامل كيميائية محظورة.
وأشار إلى أن القوات السودانية استولت على أجهزة اتصالات “ستارلينك” مسجلة باسم المرتزقة، كما تم تسجيل الأرقام التسلسلية.
وذكر أن السلطات السودانية حصلت على خطة العمليات التفصيلية التي أعدتها وحدة “ذئاب الصحراء” لحصار واحتلال مدينة الفاشر.
وتضمنت الخطة دراسات طبوغرافية، وإحداثيات مواقع القوات المسلحة، ومراحل الهجوم، بهدف إجبار الجيش على الاستسلام وتسليم مواقع استراتيجية مثل مطار الفاشر.
وقال الحارث إدريس، إنه جرى استخدام الطائرات والشبكات اللوجستية الإماراتية لتهريب ثروات السودان الطبيعية، بما في ذلك الذهب والمواشي والصمغ العربي.
وشدد على أن الأدلة المرفقة في الرسالة تُظهر مشاركة الإمارات في حملة منهجية لتقويض السلام والأمن وسيادة السودان، من خلال تجنيد وتمويل ونشر المرتزقة للقتال إلى جانب الدعم السريع.
وأفاد بأن الإمارات عازمة على الاستمرار في قتل المدنيين السودانيين بشكل منهجي بكل الوسائل الممكنة، متجاهلة تمامًا كل أشكال القانون الدولي وحقوق الإنسان الأساسية.
وأضاف: “تحفظ الإمارات عند انضمامها إلى اتفاقية عام 1948 بشأن منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، والذي رفضت فيه المادة التاسعة التي تمنح محكمة العدل الدولية الاختصاص في النزاعات، يُعد إشارة واضحة على نيتها التهرب من المساءلة وتكريس الإفلات من العقاب”.
وشطبت محكمة العدل الدولية في 5 مايو السابق، دعوى رفعها السودان يتهم فيها الإمارات بالتواطؤ في جريمة الإبادة الجماعية التي ارتكبتها قوات الدعم السريع بحق عرقية المساليت في غرب دارفور.
وبررت المحكمة شطب شكوى السودان بعدم الاختصاص القضائي، بسبب تحفظ الإمارات على المادة التاسعة من اتفاقية منع الإبادة الجماعية.
ونقل رئيس مجلس الأمن الدولي نسخة من رسالة السودان إلى أعضاء المجلس، كما صنفها وثيقة رسمية باسم: “S/2025/555”.
وقال الحارث إن المرتزقة الذين جندتهم الإمارات هم أدوات في حرب بالوكالة صُممت في الخارج بهدف إخضاع سيادة السودان.
وتابع: “الحرب في السودان ليست إلا عدوانًا يشنه طرف خارجي، ممولًا ومنسقًا ومدعومًا من الإمارات، عبر شبكات إجرامية لتجنيد المرتزقة، وارتكاب مذابح جماعية، ونشرهم للقتال. أبوظبي ليست مجرد متفرج، بل فاعل رئيسي في هذه الحرب”.
وأوضح الحارث أن الرسالة تهدف إلى إطلاع مجلس الأمن الدولي على الوضع الراهن ودور الجهات الخارجية في تأجيج الحرب.
ودعا مجلس الأمن إلى اتخاذ تدابير للتحقيق في وإدانة التدفق غير المشروع للمرتزقة الأجانب العابرين للحدود، ومحاسبة المجرمين والمسؤولين عن الانتهاكات.
وطالب بضرورة تصنيف الدعم السريع كجماعة إرهابية، مع التأكيد على خطرها الداهم على أمن الدول الإفريقية ومنطقة الساحل، إضافة إلى تسمية مجلس الأمن للدول والأفراد الداعمين لهذه الجماعة.
المصدر:سودان تربيون