الكفاح غير المؤكد من أجل الديمقراطية السودانية

ترجمة : إنصاف العوض
قالت صحيفة فوكس الأمريكية – فى تقرير بعنوان الكفاح غير المؤكد من أجل الديمقراطية السودانية – قالت: يوم الخميس،
شهدت البلاد جولة أخرى من الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية، وجاءت الاضطرابات بعد أيام من مغادرة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك منصبه، كما سبقت الاحتجاجات استقالة حمدوك، التي جاءت بعد أكثر بقليل من شهر، بعد أن أعيد إلى الوظيفة التي أطيح منها خلال انقلاب عسكري فى أكتوبر. والذى قوبل أيضاً باحتجاجات جماهيرية عارمة.
اسلوب حياة
وتقول نازك كبلو، الناشطة في مجال حقوق المرأة والباحثة السودانية من مقرها في كندا، بدأتُ الاحتجاج أن تكون أسلوب حياة. في المظاهرات المؤيدة للديمقراطية، تقابل أصدقاءك وجيرانك وأحباءك، وأضافت: هذا هو المكان الذي يتشارك فيه الناس بالفعل أحلامهم في بلد أفضل معاً.
بدأ القتال من أجل بلد أفضل بجدية في عام 2019، بعد طرد الديكتاتور السوداني عمر البشير من خلال ثورة قامت بها القاعدة الشعبية. في أعقابها، وصل المدنيون وقادة الاحتجاج والجيش إلى ترتيب تقاسم السلطة بهدف الانتقال إلى الحكم المدني الكامل، بما في ذلك دستور جديد و انتخابات ديمقراطية.
وكانت هذه الحكومة الانتقالية دائماً تتسم بالترتيب المضطرب والفضفاض، لكن انقلاب 25 أكتوبر أظهر كيف كان الانتقال الديمقراطي في البلاد. الجيش، بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان، استولى على السلطة، واحتجز حمدوك وقادة مدنيين آخرين. وتم إعادة حمدوك بعد اتفاقية 21 نوفمبر مع الجيش، الذي كان ينظر إليها، إلى حد كبير، كمحاولة لإخماد الاضطرابات في الشوارع والرد على الضغوط الدولية.
ورأت عديد من المجموعات الموالية للديمقراطية والمجتمع المدني تلك الصفقة باعتبارها خيانة. فكأن حمدوك الآن يضع يده مع الرجال العسكريين الذين أقالوه ، وهم أنفسهم الرجال العسكريون الذين ما زالوا يتحكمون.
شرعنة انقلابية
وتقول مها طمبل الناشطة فى المجتمع المدني بالجامعة الأمريكية :
تقول للصحيفة لقد اعتقدوا للتو بأنها شرعنة للانقلاب العسكري،
إن استقالة حمدوك هي الاعتراف بفشل تلك الصفقة، وتظهر، مرة أخرى، التحدي العميق للانتقال الديمقراطي في السودان. كما أنها أيضاً كما صورها ، واحد من مصادر الكونغرس ل( VOX)، بإزالة أوراق التين” لكل من المجتمع الدولي والائتلافات المدنية داخل السودان، مضيفاً بأنها آلية إجباراً لهم للتعامل مع الواقع.
الحقيقة هي أن الانقلاب نجح إلى حد كبير. وهذا شيء يفهمه هؤلاء الذين قاتلوا من أجل الديمقراطية، ولهذا السبب ينزل الكثير من السودانيين إلى الشوارع مراراً وتكراراً ، مطالبين بحكومة انتقالية خالية من قيادة الجيش. لكن الجيش أثبت أنه لا يريد التخلي عن السلطة، واضعاً مستقبل السودان وأي انتقال ديمقراطي موضع شك. إن إرجاع ساعة الزمن الى الوراء حيث ما قبل الانقلاب غير وارد، لكن العثور على بديل سلمي من شأنه أن يرضي المدنيين أو الجيش هو بذات المخاشنة .
ويقول ، الباحث فى الشأن السودانى إريك ريفز؛ إنه بلد في حالة هشة للغاية أولئك الذين في الشوارع يقولون إنهم لن يستسلموا. وهذا يعني أن الجيش سوف يستجيب بالقوة؛ سوف تنتج المزيد من إراقة الدماء.
زواج غير مستقر
كانت التصدعات في حكومة السودان الانتقالية موجودة حتى قبل انقلاب 25 أكتوبر. كانت الحكومة “زواج غير مستقر” بين المجلس العسكري الانتقالي، بقيادة البرهان، وقوى الحرية والتغيير، تحالف جماعات المعارضة المدنية، التى كانت بقيادة حمدوك. وعلى الورق، كانت هناك خطة تقاسم السلطة وفي الواقع، ظلت القوة في أيدي الجيش. على الورق أيضا الالتزام بالحكم المدني، لكن هذا الانتقال استمر مع الجيش وملازم له،
والجيش لم يكن لديه الكثير من الحوافز للقيام بذلك، حيث أنه سيعرض اهتماماته السياسية والمالية للخطر. من المرجح أن يعني أي انتقال إلى الحكم المدني المساءلة للمسؤولين العسكريين الذين زعم أنهم يشاركون في الفساد وغيرها من الانتهاكات، وحتى جرائم الحرب. “هناك الكثير من الجنرالات مع الكثير من القوة والكثير من المال. ويقول ريفز : إن البرهان وجد نفسه في مكان لا يستطيع الاستمرار فيه والاستمتاع بالدعم دون انقلاب عسكري يطيح بحمدوك.
برر البرهان الانقلاب بقوله إن الانقسامات داخل الحكومة الانتقالية كانت عميقة للغاية، وتحتاج إلى بداية جديدة لتجنب القتال؛ وقال إن الجيش لا يزال ملتزماً بالديمقراطية والانتخابات. (كما تعلمون، وضع جانباً حقيقة أن رئيس الوزراء كان قيد الإقامة الجبرية، بعد حل حكومته.)
من الواضح أن لا أحد قبل هذا. اندلعت الاحتجاجات بعد إزاحة حمدوك مطالبين بإعادته والقادة المدنيين الآخرين، و مساءلة الزعماء العسكريين، وإبعادهم عن عملية الانتقال . وقابلت قوات الأمن بعض تلك المظاهرات بالعنف. وأدان المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة وشركائها الانقلاب واستخدام القوة ضد المتظاهرين. كما أوضحت بأن الاستيلاء على السلطة يؤدي الى المخاطرة بالتمويل الدولي وتخفيف الديون، وهو شريان الحياة الحيوي في الأزمة الاقتصادية العميقة في السودان.
خيارات عسيرة
لم تكن هذه الشروط مقبولة تماماً للجيش، أيضاً وهكذا، مع بعض الوساطة الخارجية، بدأت المفاوضات لإيجاد حل لاستعادة الحكومة الانتقالية. في الوقت نفسه، واصل الجيش حملة ضد المتظاهرين، واعتقلوا قادة المعارضة وقطعوا الوصول إلى الإنترنت. انتقل الجيش إلى تعزيز السيطرة على الحكومة، ووضع “المدنيين” في المناصب الحكومية التي شغلت أيضاً بمسؤولين سابقين من عصر البشير.
في نهاية نوفمبر، تم التوصل إلى اتفاق على أن يرجع حمدوك لدوره كرئيس للوزراء، حيث سيقود “حكومة تكنوقراط” جديدة حتى تعقد الانتخابات. وجاءت مع بعض التنازلات من الجيش، مثل إطلاق سراح السجناء السياسيين.
لكن الناشطين المؤيدين للديمقراطيين والزعماء المدنيين رفضوا الصفقة مباشرة. احتج الناس في الشوارع لدعم حمدوك، ولكن أكثر من ذلك لاستعادة حكومة ما قبل الانقلاب. هذه الصفقة لم تكن ذلك.
وتقول طمبل : كان نوعاً من الصدمة لهم”. “نحن نحتج، ونحن نموت من أجلك – ليس من أجلك . كشخص، ولكن من أجل الموقف، والإنجاز الذى صنعنا. وأنت فقط تركل مؤخرتنا وتقول “سأحصل على اتفاق مع العنصر العسكري بنفسي.
ولقراءة أكثر سخاء لتحفيز حمدوك؛ هو أنه في موقف عسير أخذ ما رأه كخيار أقل سوءاً، وقال حمدوك، في الموافقة على الصفقة، إنه يريد إنهاء “سفك الدماء” في أعقاب الانقلاب. وقال خبراء إن حمدوك اعتقد أنه قد يكون قادراً على أن يكون الوسيط، والرابط بين الجماعات المؤيدة للديمقراطية والجيش، لكنه قطع اتصاله في نهاية المطاف مع المحتجين فى الشوارع والمجموعات المحلية، مما جعل مسعاه محكوماً عليه بالفشل.
وهذا هو السبب في أن الاحتجاجات و إراقة الدماء، استمرت. وقد اعترف بذلك في استقالته في 2 يناير، وقال لقد بذلت قصارى جهدي لوقف البلاد من الانزلاق نحو كارثة، محذراً من وصول البلاد الى منعطف يهدد ببقائها،
واعتبارا من 3 يناير ، قتل 57 شخصاً على الأقل من قبل قوات الأمن السودانية منذ انقلاب 25 أكتوبر، وفقاً للجنة المركزية للأطباء السودانيين قتل ثلاثة متظاهرين على الأقل اعتباراً من 6 يناير،، مما أدى إلى إجمالي ما يصل إلى 60، حيث اندلعت الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد.
مأزق خطير
هذا هو المأزق الخطير أن يجد السودان نفسه على جانب المحتجين والناشطين، المصممين على تأمين الانتقال الديمقراطي في السودان؛ من ناحية وعسكري مصمم على ترسيخ نفسه. لم يغادر مع مغادرة حمدوك، من ناحية أخرى وبالرغم من أن ذلك لم يغير أياً من خيارات الجانبين، لكنه كشف تصدعات حقيقية وخطيرة للغاية.
من المتوقع أن تستمر الاحتجاجات، وسوف يكون السؤال الكبير هو ما مدى الصعوبة التى ستصحب استجابة الجيش. اقترح البرهان أنه سيعين رئيس وزراء جديد، لكن من غير المرجح أن يقبل أياً من المرشحين الشرعيين الوظيفة، لأنه سيتحمل وصمة شرعنة الانقلاب.
رفضت الولايات المتحدة وبعض حلفائها مؤخراً هذا الطريق أيضاً، قائلة إن أي رئيس وزراء يجب تعيينه من خلال عملية “بقيادة” مدنية “، وفقاً لشروط الإعلان الدستوري لعام 2019.
لكن الرغبة في الاستشارة هي شيء، الحصول عليها شيء آخر، التحدي الأول هو ما إذا كانت الحركة المؤيدة للديمقراطية يمكن أن تصبح جبهة أكثر تماسكاً وتوحداً، إن القوى من أجل الحرية والتغيير – التحالف الذي ساعد في التوسط لإنتاج الحكومة الانتقالية في عام 2019 – يحتاج أيضا إلى توافق في الآراء من قبل المتظاهرين في الشارع والمجموعات المجتمعية المدنية المحلية، المعروفة باسم لجان المقاومة.
طالبت الجماعات المؤيدة للديمقراطية بالإفراج عن السجناء السياسيين والعودة إلى انتقال ما قبل الانقلاب – لكن تلك التي تضع المدنيين، وليس الجيش، في السيطرة
ضغط خارجى
.
أما بالنسبة للجيش، فمن المحتمل أن يكون الضغط الخارجي هو المفتاح، وتحديداً من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، المستفيدين الرئيسيين فى السودان من استقالة حمدوك يجعل من الصعب عليهم وبقية العالم تجاهل الأزمة على الأرض. إمكانية عدم الاستقرار والعنف المستمر هو شيء لا يريده أحد، خاصة في منطقة متقلبة بالفعل. يحتاج الجيش إلى أموال، لذا فإن الضغط على دول الخليج، أو قطع السودان مرة أخرى من الاقتصاد الدولي أو تخفيف عبء الديون كلها ضغوط تلوح في الأفق مع نقاط الرافعة المالية. العقوبات المستهدفة ضد القادة العسكريين، خاصة إذا ازداد العنف ضد المدنيين، هو خيار أيضاً .
ولكن حتى لو أجبر الجيش على الجلوس على الطاولة للتفاوض، فإن الخبراء والمحللين قالوا إن هذا لا يمكن أن يكون تكراراً لترتيب تقاسم السلطة، أو قد ينتهي السودان في نفس المكان. لتجنب مستقبل العنف المستمر، سيتطلب ذلك بعض الخيارات غير المريحة، والتي قد لا تتوافق مع المتظاهرين فى الشارع الذين يطالبون بالمساءلة . قد يعني ذلك نوعاً من العفو أو صفقات الحصانة لبعض كبار الجنرالات السودانين مما يمنحهم بشكل أساسي طريقاً للتقاعد المريح في المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربي المتحدة. وذلك ليس بالضبط فوزاً للقوات المدنية التي تدعو إلى حكم القانون.
يأس شعبى
كل ذلك لا يخفف حقاً الأزمة العاجلة، والتي يقول البعض يمكن أن تزداد سوءاً إذا تصاعدت الاحتجاجات، أو الحملة ضدهم. ويقول ريفز الناس يائسون. ولذلك عدد من الأسباب ليس هناك مال ولا يوجد طعام، ولا توجد فرص وهناك الكثير من العنف و لا يوجد مكان آمن، ويقولون لا يمكننا تحمل ذلك و نحن لا نعلم إلى أين ينتهى كل ذلك، لكن نعتقد أن هناك نقطة سينتهي عندها، وهذا ما يتفق عليه الناس هناك.
حتى أولئك الذين يأملون في أن يتعافى السودان ويستعيد استئناف هذا الانتقال الديمقراطي، يدركون أنه قد لا يكون نهاية المطاف وأن المزيد قد يأت، وتقول طمبل بغض النظر عن عدد الأشخاص الذين قتلوا، هذه هى التكلفة التي اتفقنا جميعاً على دفعها.