أخبار عاجلةمقالات

د.ناهد قرناص تكتب..كم لبثنا يا قوم

 

امامي حفنة من اوراق نقدية سودانية ..حضرت معي الى هذه البلاد ..حدقت فيها مدة طويلة ..ترى هل تعلم انها صارت خارج التغطية ؟ عما قريب ستصبح غير مبرئة للذمة؟ ..حاولت الرجوع الى الوراء وتذكر كم عملية تغيير عملة شهدتها في حياتي ؟ ..

نحن جيل الطرادة والشلن والريال ..كانت النقود لها قيمة عالية ..اعتقد اننا شهدنا زمنا كان الجنيه السوداني اعلى قيمة من الدولار..ومن ثم حدث تغيير كبير ..عندما قرر الرئيس الراحل نميري وضع صورته على العملة ..كان شيئا غير معهود ونال الكثير من الجدل والقفشات ..وان لم تخني الذاكره فقد ظهرت في تلك الأيام اغنية بنات اسمها (الجنية ابو عمه) ..ذلك ان صورة النميري كانت وهو يرتدي العمة السوادنية المعروفة ..

روح يا زمان وتعال يا زمان و(هبت ثورة الانقاذ) ..وكان الانقلاب في العملة المتداولة ..اذ قرر القائمون على الامر في ذلك الزمان تغيير العملة من الجنيه الى الدينار .. تأصيل وكدا ..الشئ الذي علق في ذهني من تلك الايام ..انني لم اتقبل الفكرة اصلا ..ولم يستطع (السيستم) في دماغي ان يفهم فكرة ان الدينار يساوي (عشرة جنيهات) ..وكنت اتعرض للسخرية من العيال عند حساب اي مبلغ نقدي ..اذ انني اصر (الحاحا) الى اعادة الدنانير الى جنيهات بالضرب في 10 ومن ثم بعد انتهاء العملية الحسابية ..اعيد القسمة مرة اخرى ..

ومن ثم تبين لمن هم في سدة الحكم ان قصة الدنانير غير مجدية ..فتمت اعادة الجنيه مرة اخرى الى العمل بعد احالته للتقاعد لسنوات ..لكن المفاجأة ان الجنيه ليس هو ذات الجنيه بتاعنا ..الجنيه الجديد يساوي عشرة دنانير ..بمعنى انه يساوي 100 جنيه قديم ..(واخد بال حضرتك على قول المصاروة) ..الحمد لله ان العيال في ذلك الوقت كانوا قد شبوا عن الطوق وصاروا يضربون اخماسا في اسداس لوحدهم ..وهو ما يميز تلك الفترة اذ صارت لاوراق العملة اسماء والقاب يعرفونها لوحدهم ..مثلا (متر طويل ) تعني الألف ..اما البقرة فهي ورقة الخمسين ..ان لم تخني الذاكره…

هذه هي المرة الأولى التي اكون فيها بعيده عن الوطن وقت تغيير العملة ..وهذا ما جعل لها بعدا آخر يلفه الحنين الى ايام التغيير وقفشات العملة الجديدة ومن هو اول من استلم منها ..وحكايات الجماعة الذين يكنزون الذهب الوفضة والنقود ..لكن اعتقد هذه المره ستكون اقل تشويقا ..التطبيقات البنكية جعلت اغلب الناس من ابطال الديجيتال ..نقودهم عبارة عن ارقام في الهاتف المحمول.

في هذه اللحظات وانا اتابع الشريط الاخباري وهو يحكي عن العملة الجديدة ..احسست بتانيب الضمير تجاه وريقاتي القليلة التي حملتها معي ..اذ لولا السفر..لتم الباسها حله جديدة..وربما تسمية مختلفة( سمعت ان الالف الجديدة اسمها نازحة ) ..لم اكن اعتقد ان البعد سيكون هو سيد الموقف ..اخذتها معي على امل العودة بعد فترة قصيرة ..كنت سأدس منها في يد ذلك الرجل الذي يساعدني في حمل الامتعة ..والباقي لصاحب التاكسي الذي سيقلني الى بيتي وشجيراتي الصغيرة.

ايييه دنيا ..صدق ذلك الذي كتب في نواحي الفيس بوك اننا في السودان مثل اهل الكهف ..كلانا قد انتبه من نومه ذات يوم ووجد ان النقود التي بحوذته لا قيمة لها .

البلد نيوز

البلد نيوز صحيفة إلكترونية تهتم بالشأن المحلي والعربي والعالمي معًا، مستندة على المصداقية ونقل الصورة كما هي للأحداث، وتمنح البلد نيوز للمبدعين والكتَّاب ساحة للإبداع وطرح الأفكار، وتسعى إلى دعم كل ما هو جديد ومفيد في شتى المجالات.
زر الذهاب إلى الأعلى