ذكري ام الكل
*اليوم تمضي الذكري الأولي لرحيل الخالة والام النيه بخيت حرمين ،هذه المرأة شبيهة جيلها من الناس وربما تتفوق عليهن بطيبتها وحنينها ورجاحة عقلها .
*مضت ثلاثمائة خمسة وستون يوما كلمح البصر وهي غائبة عنا كما غاب صوتها الحنون،ولم تغب صورتها عن أذهاننا.
*في مثل هذا اليوم من العام المنصرم -الحادي عشر من سبتمبر- كنت برفقة زوجتي وابنائي ردينا ومحمد لزيارتها في مستشفي ودمدني التى تحركنا إليها من قرية الصابونابي بولاية سنار -بعد نزحنا إليها تاركين خلفنا موت ودمار في قوزنا الحبيب -وعند منتصف الطريق نقل لي صديقي وابنها المهاجر في دولة الكويت “خوجلي’ النباء الفاجعة برحيلها قبل أن نصل إليها.
*”حاجة النيه” كما يحلو للجميع أن يناديها لم تكن اما فقط لابنائها وانما كانت أم للجميع، الاهل..والجيران..واصدقاء ابنائها ،لذا مآجد ما أعزي نفسي فيك -خالتى النيه-… نفسي وقلبي جريحان.. ذهبتِ وأنتِ في أوج مرحك وعطف قلبك الحنون.. كنتِ لي بمثابة أم خاصة بعد رحيل امي ـ عطر النبيان حسن محمود نسال الله لها الرحمة والمغفرة-.. رأيتُ فيكِ كل معاني الأمومة… فهي ليست بالورقة والقلم وإنما هي الروح والخُلُق.. كنتِ خير أم لأبنائك وكنتِ ألطف نسيبة لازواج بناتك وزوجات ابنائك.
*لم أشعر يوما أنني زوج ابنتها،بل كانت تعاملني مثل عبدالعظيم وخوجلي،كانت تراني مثل محي الدين وطارق ومعتصم ومحمد ،فهم ابنائها الذين حملتهم في جوفها تسعة أشهر وكنت أنا والراحل عبيد -عديلي- كابنائها .
*عام مضي على رحيلك “ماما النيه” كما كان يناديك احفادك ولسان حال حفيدتك ردينا يقول “رحلتي بجسدك عني وروحك لم تغادر روحي. لن نجد قلب يستقبلك بكل أوقاتك كقلب أمك، فإن رحلت فليكن الله في عونك. سلاماً على عينك النائمة، سلاماً على رائحتك المختبئة في جوف الأرض سلاماً على شوقي المستمر إليك.”
*عام مضي على رحيلك “حاجة النيه”وانت التى ضحيتي، وتحملتي، وعانيتي، رحلت التى تحملت لأجل ابنائها ، الذين ذرفوا عليها دماً بدل الدمع.
*عام مضي على رحيل..نسيبتي لا بل خالتي لا بل كما كان يقول لها احفادها ..ماما النيه.. رحلت قبل أن نودعها وننهل من نصائحها..رحلت قبل أن تلقي عليها ابنتها مشاعر نظرة الوداع وقبل أن يسالمها بكرها محي الدين..رحلت بعيدة عن منزلها وجيرانها واخواتها وشقيقها الوحيد..رحلت دون استئذان وقبل أن تفرح بانتصار الجيش والعودة الي منزلها والي جوارها رفيق دربها العم عابدين.
*عام مضي على رحيل حاجة النية والحرب التى اخرجتها واخرجتنا من ديارنا تقترب من شهرها السابع عشر..عام مضي على رحيل امرأة معتقة من الزمن الجميل باصالتها وطيبتها وحنيتها ..رحلت حاجة النيه وستبقي ذكراها في العقول ومحبتها في القلوب ولسان الجميع سيدعو لها بالرحمة والمغفرة والعتق من النار..
*اللهم احشر خالتي النيه مع عبادك المتقين، و في زمرة عبادك الصديقين الصالحين، وتغمَّدها برحمتك، وثبِّت قدميها، وأسكنها الفردوس الأعلى. – اللهم يا رحمن الدنيا والآخرة
نسأل الله أن تكون في اعلي الجنان مع الشهداء والصديقين وحسن اولئك رفيقا،
ولاحول ولاقوة الا بالله وانا لله وانا اليه راجعون.