صراع الحج

*منذ صدور قرار تكليفه خلفاً لسامي الرشيد، بدأ الأمين العام للحج والعمرة عبدالله سعيد في إعادة ترتيب أعمال مؤسسة الحج باعتباره المسؤول الأول عن حجاج السودان، ووفق الصلاحيات الممنوحة له قانوناً. وخلال إجراءات التسليم والتسلم، خرج وزير الشؤون الدينية والأوقاف بشير هارون عبدالكريم بقرار مفاجئ يقضي بتجميد نشاط الأمين العام الجديد، في خطوة بدت امتداداً لصراع طويل حول النفوذ داخل واحد من أكثر الملفات حساسية في السودان.
*سبق أن أشرنا إلى أن خبرة الوزير في العمل العام محدودة، وأنه يتأثر كثيراً ببعض المقربين له داخل الوزارة ومن محيطه القبلي. وتشير المعلومات إلى أنّ جهات نافذة في مكة المكرمة شرعت قبل وصول الأمين العام الجديد في إخلاء مكتب حجاج السودان بحي النسيم، وسحب الملفات، ونقل العهدة، وإبلاغ الموظفين وأسرهم بمغادرة السكن قبل نهاية نوفمبر. لكن الأمين العام أوقف هذه الإجراءات فور توليه مهامه حفاظاً على المؤسسة، وهو أول قرار اتخذه بعد تكليفه.
*هذا القرار لم يَرُق للوزير، فصدر قرار التجميد، مما أعاد الأزمة إلى نقطة الصفر، بينما الوزير نفسه ما يزال في السعودية منذ بدء مؤتمر الحج والعمرة، ولم يعد إلى السودان حتى الآن.
*إنّ الطريقة التي يدير بها وزير الشؤون الدينية الوزارة ستُلحق أضراراً كبيرة بالسودان، وقد تهدم ما أنجزه الأمين العام السابق سامي الرشيد الذي تمكن من تحقيق تقدم كبير في ملف الحج لصالح الحجاج السودانيين. وعلى رئيس الوزراء التدخل لإيقاف هذه الممارسات التي تثبت حتى الآن فشل الوزير في إدارة الوزارة، ودخوله في صراعات متكررة بتحريض من بعض الموظفين الذين يسعون للهيمنة على ملف الحج بدعم من قنصل السودان في جدة.
*ما يحدث الآن ليس خلافاً إدارياً عادياً، بل رسالة واضحة بأن هناك جهات لا تزال ترغب في التحكم في ملف الحج والعمرة مهما كانت القرارات الصادرة من القيادة العليا. وبموجب القانون فإن الأمين العام للحج والعمرة يتبع مباشرة لرئيس الوزراء، لكن الوزير يتصرف وكأن الملف تابع لنفوذه المباشر، لا لمؤسسة مستقلة ذات شخصية اعتبارية.
*إنّ ملف الحج والعمرة ليس ساحة صراع ولا مجالاً للمكايدات، بل قضية تمس كل حاج سوداني وكل أسرة تنتظر خدمة محترمة وتنظيماً منضبطاً. لذا ينبغي أن يُدار هذا الملف بالعقل لا بالتجاذبات، وبالقانون لا بالمصالح الشخصية، وبالمصلحة العامة لا بالسطوة والنفوذ.
*الأزمة الحالية داخل وزارة الشؤون الدينية هي اختبار حقيقي لمدى التزام حكومة الأمل بالمؤسسية. فإما أن تُدار بحكمة من رئيس الوزراء الذي أخطأ سابقاً بإعفاء سامي الرشيد، أو أن تستمر سلسلة الفشل في إدارة الأزمات داخل الحكومة. والقرار الصائب الآن هو إعفاء الوزير الذي أثبت خلال فترة وجيزة محدودية قدراته وعجزه عن قيادة وزارة بهذه الحساسية والأهمية.