عصام الحسين يكتب.. كيد الدويلة في تضليل!

حــــالة .. وطن
*ارجع البصر كرَّتين تجاه المواقف المُتشكِّلة حديثاً للأزمة السودانية بوصفها تجاوزت منطق الوساطة الظرفية إلى هندسة الاستقرار الإقليمي والدولي، عندها ستتجلى لديك أبعاد المؤامرة التي تستهدف ابتلاع أمن الشرق الأوسط لفرض سردية الهيمنة وتجريف السلام الاجتماعي!*
في الحقيقة، أن الوقوف إلى جانب السودان مكلف جداً، إلا أن أزمته تجاوزت حدوده مُنعكسةً على المنطقة بإثرها فضلاً عن أمن البحر الأحمر وهذا ما يُفسر دخول الرياض في معمعان هذه الأزمة بكامل ثقلها، حيث راهنت على الشرعية السياسية بالاعتراف بالدولة ومؤسساتها، وعدم الانزلاق إلى شرعنة المليشيات أو فرض حلول قسرية من خارج السياق الوطني، ثم اتّبعت أسلوب الوساطة المتدرجة كما تجلى في مسار جدة، الذي حاول تثبيت مبدأ الحوار ووقف إطلاق النار، ثم اتّبعت المنهج البراغماتي المتمثل في التعامل مع الواقع كما هو، لا كما يُشتهى.
*وبعد ما يُقارب الثلاثة أعوام من الحرب، واستجابةً لعبث دولة الإمارات المتصاعد بأمن المنطقة بأثرها انطلاقاً من السودان، ومروراً باليمن، ارتفعت وتيرة قلق الرياض وتخطت مرحلة إدارة الصراع، باحتواء تداعياته الإقليمية، محاولةً منع تحوُّله إلى صراعٍ مُعدٍ يعصف بتوازنات القرن الأفريقي عبر تفهيم ترامب كُنه ما يدور في السودان، ثم ترتيب زيارة البرهان إلى الرياض وما تم فيها من تحديث لخارطة طريق الحكومة السودانية للحل، ففرَّخت مُبادرة السودان للسلام التي استعرضها رئيس مجلس الوزراء في اجتماع مجلس الأمن الأخير، فشكَّلت ضغطاً مُسدَّداً على الجهات الساعية لفرض حلول من الخارج.*
في السياق لوُّحت القاهرة بالخطوط الحمراء واعلنت تفعيل اتفاقية الدفاع المُشترك، الموقف الذي اعتبر تتويجاً لمجمل المواقف المصرية تجاه الأزمة في السودان خاصة وأن مصر أول دولة وصفت الدعم السريع بالمليشيا المتمردة، ويشير التحوّل في استراتيجية القاهرة إلى إعادة معايرة دقيقة للموقف المصري، من مقاربةٍ حذِرة تميل إلى إدارة الأزمة، إلى انخراطٍ أكثر فاعلية يهدف إلى تثبيت الدولة السودانية ومنع انزلاقها إلى فراغ استراتيجي. وهو تحوّل يعكس إدراكًا مصريًا متناميًا بأن أمن السودان جزء لا يتجزأ من الأمن القومي لمصر، وأن إطالة أمد الصراع تُهدّد توازنات وادي النيل والبحر الأحمر. كما يدلّ على سعي القاهرة لتوحيد المسار السياسي والعسكري مع الخرطوم، وضبط الإيقاع الإقليمي بما يكبح التدخلات المنافسة.
*وهاهي تركيا تناور من مُشترك أمن البحر الأحمر، إذ يُرتجي من زيارة رئيس مجلس السيادة إلى أنقرة، غاياتٌ تتجاوز بروتوكول اللقاء إلى جوهر الشراكة الاستراتيجية، فيُعوَّل عليها في توطيد الدعم السياسي لشرعية الدولة السودانية، واستنهاض أدوار تركيا الاقتصادية والإنسانية في مرحلة التعافي، وفتح آفاق تعاون أمني ولوجستي يعضد استقرار البحر الأحمر. كما يُنتظر أن تُسهم الزيارة في تنسيق المواقف إقليميًا، بما يعزز فرص التسوية السياسية ويحفظ للسودان مكانته ومصالحه في معادلات الإقليم.*
يُومِئ التحالفُ الآخذ في التشكّل بين (الرياض، القاهرة، أنقرة والخرطوم) إلى انعطافةٍ استراتيجية كبرى في مسار الحرب السودانية؛ إذ يجمع بين ثِقَلٍ سياسيٍّ وماليٍّ وعسكريٍّ قادر على ترجيح كفّة الدولة، وكبح دويلة الشر وتدويل الصراع، وتجفيف روافد الفوضى التي تغذيها الامارات ويعكس هذا التقاطع إدراكاً مشتركاً بأن استقرار السودان شرطٌ لأمن البحر الأحمر ووادي النيل وتوازنات الإقليم، وأن الحسم العسكري المُرتقب يتطلب مظلّة إقليمية منسّقة تُزاوج بين الضغط السياسي والدعم المؤسسي، بما يحفظ السيادة وتعيد بناء السودان.