ميونخ للأمن: عندما يُساء فهم الدبلوماسية السودانية

* يُعد مؤتمر ميونخ للأمن أحد أبرز المنتديات العالمية لمناقشة القضايا الأمنية والسياسية ، حيث يجمع قادة الدول ، المسؤولين الحكوميين، الخبراء، وصناع القرار لبحث التحديات الدولية الأكثر تعقيداً ، ومع ذلك فإن الفهم السطحي لهذا الحدث قد يؤدي إلى إنتقادات غير دقيقة ، كما حدث في الجدل المثار حول اللقاء غير الرسمي الذي جمع وزير الخارجية السوداني بالدبلوماسي الألماني فولكر بيرتس المبعوث الأممي السابق إلى السودان ، والذي أثار دوره السابق في الأزمة السياسية السودانية إستياءً واسعاً .
*_فلسفة مؤتمر ميونخ: السلام عبر الحوار_*
* يختلف مؤتمر ميونخ للأمن عن القمم السياسية التقليدية ، إذ يعتمد على فلسفة “السلام من خلال الحوار” ، هذه الفلسفة تجعله منصة مفتوحة لتبادل الرؤى ووجهات النظر بين مختلف الأطراف بغض النظر عن مدى تعارض مواقفها السياسية ، فاللقاءات غير الرسمية التي تُعقد على هامش المؤتمر ليست مجرد تفاصيل بروتوكولية ، بل هي جوهر المؤتمر وأحد أهم أدواته الدبلوماسية .
* عليه فإن أي لقاء غير رسمي ضمن فعاليات المؤتمر لا يمكن إعتباره تبنياً لموقف سياسي معين أو تأييداً لرؤى محددة ، بل هو إمتداد طبيعي لطبيعة المؤتمر التي تشجع على الحوار المفتوح حتى مع الشخصيات المثيرة للجدل .
*_فولكر بيرتس: شخصية ألمانية محلية ضمن أجواء المؤتمر_*
* من الضروري التأكيد على أن فولكر بيرتس بإعتباره شخصية ألمانية بارزة في المجال الدبلوماسي يحضر مؤتمر ميونخ للأمن كجزء من النخبة السياسية والفكرية الألمانية لا كممثل لأي جهة دولية ، فوجوده في إحدى الصور مع وزير الخارجية السوداني لا يحمل دلالات سياسية مباشرة ، ولا يعني بأي حال من الأحوال قبول السودان بأدواره السابقة أو تجاهل تأثيره على الأوضاع السياسية السودانية ، بل على العكس، فإن مشاركة السودان في المؤتمر تعكس حضوره الفاعل على الساحة الدولية ونجاحه في فرض نفسه كلاعب أساسي في القضايا الإقليمية ، دون الحاجة إلى تقديم تنازلات أو البحث عن موطئ قدم. وهذا يتضح من خلال الدعوة التي وُجّهت لوزارة الخارجية السودانية ، في حين لم تُوجّه لعدد من وزارات خارجية دول أفريقية وعربية أخرى .
* أما على المستوى الأمني فقد تلقى جهاز المخابرات العامة السوداني دعوة رسمية لحضور المؤتمر إلى جانب جهاز مخابرات وحيد آخر في القارة الإفريقية ، وهو جهاز مخابرات الكونغو الديمقراطية ، هذا يعكس حجم التقدير الدولي لأهمية دور السودان في المشهد الأمني الإقليمي ، ويؤكد على أن التنسيق بين وزارة الخارجية والمخابرات السودانية نجح في إدارة علاقات السودان الخارجية بذكاء ودبلوماسية بعيداً عن الإنفعالات وردود الفعل العاطفية غير المحسوبة .
*_الإنتقاد العشوائي نتيجة لقلة الإدراك بحقيقة أبعاد المؤتمر_*
* الإنتقادات التي وُجّهت للوزير السوداني بسبب هذا اللقاء الهامشي تعكس فهماً مغايراً لطبيعة مؤتمر ميونخ للأمن ، فهذا المؤتمر يعد منصة تجمع كافة الأطراف المعنية بالقضايا الأمنية ، حتى وإن كانت هناك خلافات سياسية بينها .
* فإذا كان مؤتمر ميونخ يُتيح المجال للحوار بين دول متصارعة مثل الولايات المتحدة وروسيا أو إيران وأوروبا ، فلماذا يُستغرب من لقاء هامشي بين وزير الخارجية السوداني ودبلوماسي ألماني سابق ، حتى وإن كانت له مواقف غير مرضية في الماضي؟
* إن التفاعل السوداني داخل المؤتمر لا يُقاس بالصُور أو اللقاءات الجانبية ، بل يُقاس بمدى تحقيق الأهداف الإستراتيجية للدبلوماسية السودانية، التي تسعى لتعزيز موقع السودان على الساحة الدولية ، وتحقيق مصالحه عبر كافة الوسائل المتاحة .
*_خلاصة القول ومنتهاه_*
* مؤتمر ميونخ للأمن ليس ساحة للمجاملات السياسية أو العلاقات العامة ، بل منصة دولية للحوار الإستراتيجي فمشاركة السودان فيه ليست مجرد حضور شكلي، بل خطوة مدروسة نحو إستعادة دوره الدبلوماسي وتعزيز شراكاته الدولية .
* الإنتقادات العشوائية التي لا تُدرك ماهية المؤتمر، فهي محض قراءة سطحية لا تعي حقيقة العمل الدبلوماسي القائم على الإنفتاح والتفاعل لا على العزلة والإنغلاق ، خاصة وان المؤتمر فرصة لإحداث إختراق نوعي في ظل وضعية السودان الراهنة حيال علاقاته الخارجية ولا سيما المتعلقة بالقضايا الأمنية الدولية .