د.اسماعيل الحكيم يكتب..الإحتيال الإلكتروني.. خيانة في زمن الحرب

السودان، الذي يعيش واحدة من أعقد وأصعب المراحل في تاريخه ، بات مسرحًا مفتوحًا لجريمة لا تقل بشاعة عن جرائم الحرب المتراكمة . فالحرب المشتعلة بين الجيش والمليشيا المتمردة أرهقت الناس وأضعفت وسائل الأمان والحماية عندهم . حتى وجد المجرمون في هذه الفوضى تربة خصبة لتنفيذ مخططاتهم ، مستغلين إنشغال الناس وجهلهم أحيانًا بتفاصيل الأمن الإلكتروني.
ففي الوقت الذي تنزف فيه البلاد من جراح الحرب وثقل المعاناة البيّنة ، وبينما تسعى القلوب المتعبة لترميم ما تبقى من حياة وكرامة ، ظهر على السطح شكل جديد من الخيانة ، ولا يقلّ بشاعة عن صوت الرصاص أو الخراب الذي خلّفته المعارك . ذاك هو الإحتيال الإلكتروني ، الذي أحسبه جريمة في ثوب عصري، يتسلل به ضعاف النفوس إلى جيوب المنهكين وأحلام المكلومين لتصبح معاناة الناس أكبر .
لم يعد الإحتيال الإلكتروني مجرد عملية نصب عابرة ، بل تحوّل إلى معركة موازية ، تستهدف أرزاق الناس ومدخراتهم. حيث يتخذ المحتالون حيلًا خبيثة ، رسائل وهمية، مواقع زائفة، ووعود كاذبة تُسلب بها الأموال . في زمن كثر فيه الفقد والحاجة ، ليصبح وقع الخسارة مضاعفًا، وتتحوّل هذه الجريمة إلى طعنة في ظهر مجتمع يتنفس الصبر والألم ويرجو ما عند الله وما عند الله خير وأبقى .
إنّ ما يفعله هؤلاء المجرمون ليس مجرد سلبٍ للأموال أو سرقة بيانات أو تعطيل موبايل ، بل هو خيانة عظمى للقيم الإنسانية والدينية التي تربط أهل السودان بعضهم ببعض . فكيف لمن يرى شعبًا يصارع البقاء ويناضل بشرف ، أن يستغل ضعفه ليزيد أوجاعه؟ إنها خسارة للثقة، وانهيار لما تبقى من روابط الأمان الاجتماعي.
وحتما لهذه الظاهرة أسباب وهي أسباب موضوعية
فالحرب تركت فراغًا ممتداً استغله المجرمون. كما تن غياب الوعي بأساليب الحماية يجعل المواطن هدفًا سهلًا . فضلاً عن غياب الجهات الرقابية والتقنية مما أدى إلى اتساع رقعة الجرائم.
هذه الظاهرة لا يمكن مواجهتها بالسكوت أو التهاون . بل على الدولة ، رغم ظروفها الصعبة، أن تتخذ إجراءات صارمة:
مثل تكثيف التوعية الرقمية بين المواطنين.
وتطوير أنظمة إلكترونية أكثر أمانًا. وملاحقة المجرمين قانونيًا بلا تساهل . وعلى المجتمع أن يُدرك أنّ الإبلاغ عن المحتالين واجبٌ وطني وأخلاقي ، وأن حماية الضعفاء من هؤلاء المجرمين مسؤولية جماعية.
فإنني أؤكد أن الإحتيال الإلكتروني ليس مجرد سرقة ، بل هو اغتيال للثقة وموت للضمير ، وخيانة لمن يستحقون المساندة في زمن الحرب ، يجب أن نكون أكثر يقظة، وأكثر تضامنًا، كي لا نترك أعداء الإنسانية يسرقون ما تبقى من حياتنا . فلنحمِ أنفسنا بالوعي، ولنحارب هذه الجريمة كما نحارب كل خائن للوطن . ونتذكر
ان الأمان الرقمي اليوم لم يعد رفاهية، بل هو طوق نجاة لا غنى لنا عنه”.