حين غيّر السلاح مسار الفكرة… النور حمد بين الحلم والبارود

من الذي يقف على الجسر بين الفكر والبارود؟
ومن الذي يشعل النار تحت جدارٍ بناه بالحروف؟
لم نعتد أن نرى النور حمد في هذا الموضع. الرجل الذي سلّ سيفه ضد “العقل الرعوي” صار اليوم يكتب ميثاقًا جديدًا… لكن لا بالحبر، بل بـ”الشوكة”.
1. العقل الرعوي… حين يصبح العنف حليفًا لا خصمًا
قبل سنوات، كان النور حمد يتحدث عن “عقل رعوي” يقاوم التمدن، يعشق السيطرة، ويرى في السلاح وسيلة للتعبير لا وسيلة للحكم. كتب الرجل بحرارة فكر، لا بحرارة بندقية.
لكنه اليوم، في مقاله الأخير حول “ميثاق نيروبي”، يُدخلنا في سرديةٍ مغايرة. يتحدث عن “السلام المفروض بالقوة”، ويبارك “تحالف البندقية والعقلانية”، كأنما العنف ذاته قد طهّر نفسه لمجرد أنه تغيّر الطرف الذي يمسك الزناد.
أيّهما إذًا كان عدوك، يا دكتور؟ العنف أم من يستخدمه؟ العقل الرعوي، أم رعاته فقط؟
2. الدعم السريع… من مليشيا إلى شريك في الدولة؟
لطالما نعت النور حمد النظم العسكرية بأنها سرطان في جسد الدولة السودانية، كائنات متخمة بالفساد والقهر.
واليوم، نفس الكاتب، نفس القلم، يمنح الدعم السريع شهادة ميلاد سياسية، ويمنحه شرعية لم ينلها عبر المؤسسات. أهي براغماتية اللحظة؟ أم هو الانحدار في منحدر “الغاية تبرر الوسيلة”؟
من يقبل بالسلاح اليوم، سيُحكم به غدًا.
وهكذا تبدأ النهايات: من شرعية السلاح إلى شرعية الخراب.
3. ديمقراطية تحت البندقية؟
من أجمل ما كتب النور حمد كان دعوته لبناء دولة علمانية عادلة، دون وصاية دينية أو عسكرية.
لكن أن تُفرض هذه الدولة بالقوة؟ فذاك انقلاب على الفكرة، ولو باسمها.
هل يُمكن أن تكون العلمانية، وهي بنت التنوير، ثمرة لعنف مسلح؟
هل يبنى العقد الاجتماعي على خوذة جندي، لا على صناديق الاقتراع؟
4. قرنق والدعم السريع… تشبيه لا يصمد
حين يُشَبّه الدعم السريع بالحركة الشعبية لتحرير السودان، فذاك اجتزاء خطير للتاريخ.
الحركة كانت مشروعًا بأهداف، وبجيش مؤسسي. الدعم السريع، في المقابل، مليشيا ولدت في سراديب القهر، بلا مشروع، بلا رؤية، وبلا شرعية.
التاريخ ليس غطاءً لتبرير اللحظة. ومن يخلط النضال بالمليشيا، كمن يخلط الحلم بالكابوس.
الخاتمة: هل النور حمد سقط في فخ الواقع؟
ما كتبه النور حمد في “ميثاق نيروبي” ليس فقط تحولًا سياسيًا، بل اختبارًا لفكرة طالما بشّر بها:
هل الفكر يصمد حين تصطدم الأحلام بالخراب؟
هل يمكن أن تكون سلاحًا ضد السلاح، ثم تجد نفسك تدافع عن بندقية لأنها تُصوّب في الاتجاه الذي يعجبك؟
في الظل، نرى كل شيء بلا تزييف.
والنور الذي لا يصمد في العتمة، ليس نورًا… بل وميض طارئ.
و زي ما قالوا أهلنا: “القروش بتغيّر النفوس”… لكن البندقية تغيّر حتى المبادئ.