أخبار عاجلةالاجتماعيمقالات

لا سلام مع القتلة… بل بس!

 

في فجر 27 أبريل 2025، في حي الصالحة جنوب أم درمان، لم تُسمع أصوات السياسة ولا ضجيج التفاوض،
بل تعالى صوت الرصاص، يقطع الأجساد كما يقطع المنجل رؤوس السنابل. وكما تقتل بذور التواطؤ جذوة الثورة، تم قتلهم…

واحد وثلاثون شهيدًا، بينهم أطفال،
سقطوا في مذبحة جديدة، بأيدٍ عرفت القتل وألفته: ميليشيا الدعم السريع.
هذه الجريمة ليست استثناءً، بل قاعدة. عرفناها وحاولنا التعايش معها، فالميليشيا اعتادت على القتل والاغتصاب والتنكيل، ثم الهروب من أفعالها،
لتعيد الكرة مرة أخرى. وكلما غفر لهم الشعب ومنحهم فرصة جديدة، عادوا أسوأ، وأكثر بجاحةً وتطرفًا وإرهابًا.

ميليشيا الدعم السريع لم تظهر فجأة.
ولدت من رحم الموت، ولدت عندما استأجرها سيدها البشير – الذي خلعه الشعب السوداني –
يوم كان حرق القرى في دارفور سياسة ممنهجة، فهبت لتلبية نداء سيدها ومالكها،
وأظهرت قدرتها على القتل. كانت حاضرةً حين كانت القرى تُسوّى بالأرض، وحين كانت النساء تُغتصب جماعيًا كأداة حرب، وحين كان الأطفال يُذبحون، والرجال يُساقون إلى الإعدام الجماعي.

من دارفور إلى الخرطوم، انتقلت أدوات الجريمة نفسها.
رأينا تلك الوجوه القبيحة في هبة سبتمبر 2013، حين هبوا لحماية حكم الإخوان المسلمين كالكلب العقور الذي يحمي سيده الأجرب،
ورأيناهم في مجزرة القيادة العامة، 3 يونيو 2019، حيث قُتل المئات غدرًا وغرقًا وقهرًا.
وفي كل محطة، كان الدم يُهرق، ولا مساءلة، ولا عدالة، بل ترقيات وتلميع سياسي.

وكان هذا أكبر خطأ ارتكبناه:
فمسامحة القاتل قد تجعله يعيد التفكير ويغير حياته،
ولكنها لا تنفع مع الوحوش الشبه بشرية، الذين يظنون أنفسهم أفضل من الآخرين بنظرة فاشية وعقيدة إرهابية.
التسامح مع الوحوش يجعلهم أكثر وحشية وبربرية، وكالكلب المسعور، لا علاج لهم إلا ما يعالج به الكلب المسعور.

مجزرة الصالحة: شهادة حية على أن القتلة لم يتغيروا.

في الصالحة، كان القتل مبرمجًا.
لم تكن معركة بين جيشين،
ولا اشتباكات نيران عشوائية،
بل إعدامًا ميدانيًا ممنهجًا ضد مدنيين عزل.

وهنا تبرز المسؤولية التراتبية:
ليس فقط القتلة على الأرض مسؤولين،
بل كل قائد أمر، أو علم، أو سكت، هو شريك كامل في الدم.
من أصدر الأوامر بالقتل، ومن خطط له، ومن غطاه سياسيًا، جميعهم يجب أن يُلاحقوا.

المواطن السوداني لم يختر الحرب… الحرب اختارته.

المواطن السوداني لم يخرج حاملًا سلاحه ليقاتل في المدن.
لم يُشعل الخرطوم أو الفاشر أو نيالا.
بل وجد الحرب تزحف إلى عتبة بيته،
تسلبه ماله، وتنتهك عرضه، وتقتلع أمنه من جذوره.

هذه الحرب ليست حربه،
ولكنها فرضت عليه فرضًا: معركة وجود.

هذه ليست حرب جيوش.. هذه حرب وطن.

اليوم، المعركة لم تعد بين جيش وميليشيا،
ولا بين طرفين سياسيين.
إنها معركة بين:
• كل سوداني يؤمن بوطنه وكرامته وحقه في الحياة،
• وبين مشروع الدعم السريع: مشروع الموت، السلب، النهب، وبيع السودان لمن يدفع أكثر.

هؤلاء لا يريدون وطنًا،
بل يريدون أرضًا بلا شعب، مالًا بلا ضمير، وعرضًا بلا حماية.

السلام الذي نريده… لا يمر عبر دماء الشهداء.

نعم، نحن مع السلام،
لكن أي سلام لا يقوم على محاكمة المجرمين ورد الحقوق إلى الضحايا، ليس سلامًا بل خداع.
أي سلام يبني حاضره ومستقبله فوق عظام الصالحة والقيادة العامة ودارفور، هو اتفاق خيانة.

لا يمكن الحديث عن شراكة سياسية مع ميليشيا ترتكب المجازر كأداة من أدوات التفاوض.
لا يمكن أن نهادن القتلة باسم “الوفاق الوطني”، بينما أمهات الصالحة يلملمن أشلاء أطفالهن من الطرقات.

إما سلام الشجعان… أو استمرار الحرب حتى يحكم الله.

نحن نختار:
• سلام الشجعان: سلام العدالة والمحاسبة واستعادة الكرامة،
• أو استمرار الدفاع عن الحق حتى ينتصر أو يقضي الله أمره.

إما أن يُحاكم كل من تورط في الدم السوداني،
أو تظل البندقية مشهرة، لا تضعف ولا تستكين.

لأن الوطن الذي يُبنى على التصالح مع القتلة…
هو وطن لا يستحق أن نعيش فيه.

الختام:

كلما ظنوا أن الدم يُنسى،
يأتي مشهد جديد من الصالحة ليذكرهم أن في هذا الوطن شعبًا لا ينسى ولا يغفر.

لا سلام مع القتلة.
لا مصافحة مع السكاكين التي لا تزال تقطر دمًا.
لا وطن يُبنى مع من خانوه ثم ذبحوه.
سنبقى هنا حتى تختفي أشباحهم، أو نبقى هنا كظل نووي يخبرهم بأننا لا نتفاوض ولا نستسلم… بل بس

البلد نيوز

البلد نيوز صحيفة إلكترونية تهتم بالشأن المحلي والعربي والعالمي معًا، مستندة على المصداقية ونقل الصورة كما هي للأحداث، وتمنح البلد نيوز للمبدعين والكتَّاب ساحة للإبداع وطرح الأفكار، وتسعى إلى دعم كل ما هو جديد ومفيد في شتى المجالات.
زر الذهاب إلى الأعلى