أخبار عاجلةالاجتماعيمقالات

أبراهيم ارقي يكتب..لولوة الخاطر .. المرأة التي كسرت التابوت وحطمت الطوطم (1)

لولوة بنت راشد بن محمد الخاطر، هي ابنة قطر التاريخ والحضارة، من طينة هذه الأرض المعطاءة، وسليلة الأجداد الذين صنعوا مجداً تليداً ورسخوا قيما ومبادئ أصيلة، سيجوا بها ماضيهم وحاضر الإنسان القطري.
لم تكن فكرة الكتابة عنها، اهزوجة احفظها واترنم بها، وليست قصيدة انشدها، أو حلم جميل عابر يأتي ثم يمضي مسرعاً، ولكن مجرد الفكرة كانت تمثل حالة من القلق والسعادة ممزوجتان في تناغم تام، مصدرهما أن الكتابة عن شخصية في قامة الدكتورة لولوة علماً وثقافةً وقيماً وانفتاحاً بوعي، مؤطرة بعادات وتقاليد مرعية تستصحبها معها في المكتب والبيت والشارع ومع “ربعها”، وفي كل جولاتها ومحادثاتها ولقاءاتها وكتاباتها. مثل هكذا شخصية تتعامل بذكاء مع كل هذه الخيوط المتشابكة، لا شك أنها تمثل مصدر قلق وسعادة وفخر لمن يفكر فقط في الكتابة عنها.
لذلك فالكتابة عنها تعتبر صناعة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معاني، فالصناعة هي عبارة عن مزيج من المواد المتناغمة أو المتنافرة تصهرها وتمزجها لتستخرج منها مادة مصنوعة تمثل غايتك من هذه العملية. وهكذا هي الكتابة عن الدكتورة لولوة فلا بد من (سبك) الفكرة والرؤية ثم تجهيز كثير من المواد المتناغمة والمتنافرة في آن واحد لسبر غور هذه الشخصية، وإخراج مادة مصنوعة و”مسبوكة” بدراية تامة، حتى تَضَع أمام القارئ منتوجاً جديداً يشكل إضافة حقيقية له، ولكيفية العبور الذكي للشخصية المتزنة ذات الأهداف العميقة المتجذرة، وفوق ذلك لامرأة نشأت وتربت في بيئة كانت المرأة فيها مؤطرة في حدود المنزل والمطبخ والزواج، وإن قُدِّر لها أن تتحرر من قيود المنزل فدونها مهنتين فقط، هما التعليم أو التوظيف في إحدى الدوائر الحكومية لتحصر نفسها فيها مجبرة، حتى وإن كانت تمتلك من المقدرات ما يؤهلها لأن تشغل مناصب عليا، وهنا لا نقدح في أهمية مهنة التعليم والتي هي مهنة الرُسل، إلا أنه بالنظر لمقدرات المرأة الحقيقية فهي تتفوق على هذا التأطير المقيِّد، حيث يمكن لها أن تتقلد أعلى المناصب دفعاً في اتجاه تحقيق الفائدة المرجوة لوطنها ولمجتمعها. تقول الصحفية الروسية “Olga Moiseeva” في مقال لمجلةGoodhouse” ” الروسية: “إنه عندما نسمع عبارة امرأة شرقية نتخيل على الفور شخصية صامتة ملفوفة حتى رأسها بملابس داكنة وتعيش بهدوء وخنوع في ظل زوجها”.

هكذا هي دائما نظرة الغرب للمرأة الشرقية، وإن كُنّا نجد أن هذا المنطق يطابق حقباً تاريخية كانت المرأة الشرقية والعربية بصفة عامة تسيج اهتماماتها في حدود أسرتها، وهو سياج فرض عليها، دون أن تتطلع للانعتاق من هذه القيود للانطلاق لرحاب أوسع تستطيع من خلاله أن تضع بصمتها في مسارات التاريخ لوطنها ولأمتها بما تمتلكه من علم ومعرفة.
ولكن نموذج دكتورة لولوة انعتق من تلك القيود المكبلة، وكسر تلك الحواجز المسيجة للتطور والإبداع، وأكد أن المرأة يمكن أن تنافس في كل الوظائف العليا وتصل إليها وتتميز وتنبغ فيها. بل وأكثر من ذلك يمكن لها أن تتفوق على الرجل في كثير من المجالات، فقد وصلت المرأة إلى رئيس دولة ووزير، تحكم وتأمر وتنهي وتقرر وتخطط وتنفذ، وتخلق عالم جميل متناغم وفق رؤية علمية وعملية مستقاة بفهم عالي ومتقدم.
وقد أردت من هذه المقالات أيضاً أن أقدم نموذجاً صريحاً وقدوة حقيقية للمرأة الخليجية بصفة عامة والقطرية بصفة خاصة، المؤمنة بقيمها وتقاليدها، ومنفتحة في ذات الوقت على الثقافات الأخرى علماً ومعرفة، دون مسايرة عمياء، وتهافت على قشور الثقافات المستوردة، ولكنها غاصت في عمق مياه المعرفة الغربية والشرقية والعربية، وأخذت لؤلؤها وتسلحت بالمعرفة الحقيقية لتنفع بها مجتمعها.
ومن المهم أن نقول إن هذه المقالات تمثل أيضاً صرخة في أذن الغرب الذي يتحدث عن المرأة العربية عامةً، والخليجية خاصةً، بصورة سلبية، ويعتبرها مهيضة الجناح تعيش حياة نمطية ومستعبدة من قبل الرجل، ولا تملك أي إرادة ذاتية لتصنع لنفسها تاريخ أو موقف أو صوت لإثبات وجودها. كما ليس لها أي تأثير في الحياة العامة.
ولكن دكتورة لولوة استطاعت أن تكسر ذاك التابوت وتحطم الطوطم، وتخرج إلى العالم المصنوع، امرأة بثوب عربي أصيل وفهم متقدم، سلاحها العلم والمعرفة، ورؤية ثاقبة وصادقة تضع أولويات بلدها قطر في المقدمة مقرونة مع هموم أسرتها ومجتمعها والأمة جمعاء.

البلد نيوز

البلد نيوز صحيفة إلكترونية تهتم بالشأن المحلي والعربي والعالمي معًا، مستندة على المصداقية ونقل الصورة كما هي للأحداث، وتمنح البلد نيوز للمبدعين والكتَّاب ساحة للإبداع وطرح الأفكار، وتسعى إلى دعم كل ما هو جديد ومفيد في شتى المجالات.
زر الذهاب إلى الأعلى