اعلان نتيجة المرحلة المتوسطة :نعي التعليم الحكومي في كسلا.. حينما يغيب “العام” ويتصدر “الخاص”

كسلا – احمد بامنت
علت الهتافات وشقت الزغاريد ارجاء قاعة امانة ديوان الزكاة بكسلا احتفاءً واحتفالا بإعلان نتيجة شهادة المرحلة المتوسطة للعام 2025، والتي بلغت نسبة النجاح فيها 87% وعدد 38 تلميذ وتلميذة يحرزوا الدرجة الكاملة !!!
لانريد ان نفسد فرحة الاسر بقدر ما نحاول ان نتوقف علي مؤشرات عامة برزت من خلال تلك النتيجة وذلك بناء علي معطيات وارقام يجب التوقف عندها لانها تكشف حقيقة موجعة تتوارى خلف الأرقام والتي اظهرت غياب التعليم الحكومي عن مشهد التميز الذي اعلن اليوم بينما تصدرت المدارس الخاصة قائمة المتفوقين، وكأن التعليم العام يشيّع إلى مثواه الأخير بصمت رسمي.
فقد كشفت تفاصيل النتيجة أن مدرسة أحمد نصر الخاصة بنات بمحلية كسلا أحرزت المركز الأول بنسبة نجاح 98%، بينما بلغت المدارس التي أحرزت نسبة نجاح 100% نحو 191 مدرسة، أغلبها من المدارس الخاصة وفي المقابل، توارت مدارس الحكومة، ولم يظهر لها أثر يُذكر في منصات الشرف.
ورغم ان الأرقام المعلنة تثلج الصدور الا انها في المقابل تثير الشكوك في مدي مصداقية تلك النتيجة التي احزر فيها ماعددهم 38 تلميذ الدرجة الكاملة وهو الامر الذي اثار تحفظ عدد من المهتمين بالشأن التعليمي وعدد من الموجهيين الذين التقيناهم محاولين ان نلمس منهم قراءاتهم حول تلك النتيجة ، مشيرين إلى أن هذه النتيجة قد لا تعكس الواقع الحقيقي في ظل حديث متداول عن معالجة تمت في بعض الدرجات. ويستند هؤلاء إلى أن عدداً كبيراً من الطلاب أحرزوا الدرجة الكاملة أو ما يقاربها في ظروف تعليمية غير مستقرة، ما يثير تساؤلات مشروعة حول نزاهة التصحيح أو دقة الرصد النهائي.
ويذهب البعض إلى أن إعلان نتيجة مرتفعة بهذا الشكل قد يكون محاولة لصناعة إنجاز معنوي يعوّض الإخفاقات الهيكلية في واقع التعليم، خاصة في ظل غياب الدعم الكافي وتدهور بيئة المدارس الحكومية
أقر والي كسلا المكلف اللواء ركن (م) الصادق الازرق خلال المؤتمر بأن المعلمين واصلوا أداء رسالتهم رغم عدم صرف المرتبات ممدحا عزيمتهم وتفانيهم لكن هذا الإطراء لا يعفي الدولة من مسؤوليتها تجاه المعلمين الذين يشكلون عماد العملية التربوية .
أما الوزير المكلف للتربية والتوجية الاستاذ عثمان عمرفقد تحدث عن التحديات التي واجهت التعليم خلال العام، وخصوصاً ما يتعلق باستخدام المدارس كمراكز للإيواء بسبب الحرب ورغم الإشادة بصمود المعلمين، لم يتطرق أحد لمسألة الإصلاح البنيوي العاجل الذي يحتاجه التعليم الحكومي، بل ظل الحديث يدور في إطار شعارات عامة عن “النجاح رغم التحديات” و”لا مستحيل تحت الشمس”.
من المفارقات اللافتة أن طلاباً من خارج ولاية كسلا وتحديداً من محلية المناقل بولاية الجزيرة أحرزوا نتائج مشرفة رغم خوضهم الامتحانات في ظل ظروف قاسية جراء النزوح .
وقد أشار الوالي نفسه إلى ضعف نسبة الجلوس في بعض المحليات، داعياً إلى تطوير التعليم فيها، وكأن هذا الأمر يقع فقط على كاهل تلك المحليات، وليس وفق رؤية ولائية شاملة.
يبدو من خلال هذه النتيجة ان التعليم الخاص قد أصبح هو الأمل الوحيد أمام الأسر التي تطمح في مستقبل أفضل لأبنائها فإن ذلك يعني عملياً أن “من لا يملك المال لا يملك الحق في تعليم جيد وهذا بحد ذاته كارثة تربوية واجتماعية.
الاحتفاء بالنتائج لا يجب أن ينسينا واقع التعليم الحكومي الذي لم يعد قادراً على المنافسة ناهيك عن الريادة ما يحدث اليوم هو تراجع حاد في المساواة التعليمية، حيث تزداد الفجوة يوماً بعد يوم بين من يستطيع دفع الرسوم ومن لا يستطيع بين من يتعلم في مدارس خاصة ومن يتكدسون في فصول متهالكة بلا كتب أو بئية مدرسية ملائمة .
النتيجة التي أُعلنت في كسلا اليوم، وإن بدت مبشرة بالأرقام، إلا أنها تخفي وراءها واقعاً تعليمياً مختلاً يحتاج إلى وقفة جادة قبل أن نصحو ذات يوم وقد أصبح التعليم الحكومي ذكرى من الماضي.
فهل من يجرؤ على إعلان “حالة طوارئ تعليمية” حقيقية قبل أن تصبح “المدرسة الحكومية” مجرد لافتة بلا معنى؟
وهل من سبيل لإنقاذ التعليم الحكومي من هذا الانحدار؟
أم نواصل فقط الاحتفال بـ”نهايات جميلة” لأوضاع كارثية؟