أخبار عاجلةمقالات

حكومة على منصة إطلاق العقوبات

في الكوميديا السودانية، يمكنك أن تهدم مدينة، وتنهب بنكًا، وتُطارد النازحين حتي في خيامهم، و تقتل اثنيا و تعدل في توزيع الظلم علي كل الشعب و من تستل قلم و تكتب بدم الضحايا بيانًا رسميًا تعلن فيه قيام حكومة وطنية.
تدعوا الي حماية الإنسان و الانسانية

من بقايا جلود الجثث ترفع علمًا جديدًا، تطبع شعارًا عليه كلمة “تأسيس”، وتختمه بخاتم الجنجويد. وهكذا، يصبح الدمار سياسة، والتطهير مشروع دولة.

لكن ما فات على هذه “الحكومة المؤسسة” هو أن العالم لا يدير دبلوماسيته من داخل صيوان الفاشر، ولا يقيس الشرعية بكثافة النيران، بل يقرأ ملفات الجرائم، ويقيس السلوك بالبند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ويقارن الوجوه بقوائم العقوبات. و ميثاق روما و إعلانات جنيف هي الحاضر و لو غابت في واقع الكذب و التضليل.

وهكذا، قبل أن يُعلن رئيس وزراء حكومة الدعم السريع جدول أعماله، كانت وزارة الخزانة الأميركية قد وضعت له جدولًا آخر… من بند واحد: قانون ماغنيتسكي.

الفصل الأول: ماغنيتسكي… القاضي الذي لا يحتاج إلى محكمة

في 2016، أصدر الكونغرس الأميركي قانونًا اسمه Global Magnitsky Act، على اسم محاسب روسي قُتل في السجن بعد كشفه عن فساد واسع.
الرسالة كانت واضحة: إن لم تحاسبك محكمتك، فسنفعل نحن.

هذا القانون يسمح للولايات المتحدة بفرض عقوبات على أي شخص حول العالم تثبت عليه انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان أو فساد واسع النطاق.
العقوبات لا تحتاج إلى قاضٍ، ولا استئناف. يكفي تقريرٌ من منظمة حقوقية موثوقة، وبعض الأدلة، ويبدأ التنفيذ:
تجميد أصول، حظر سفر، حظر التعامل البنكي، ودمغة أبدية على الجبين: “منتهك للإنسانية”.

القانون، بطبيعته، لا يفرّق بين جنرال يرتدي بزّة مشاة، أو وزير يرتدي بدلة باريسية. الجميع سواسية أمام الحساب الأميركي.

الفصل الثاني: الدعم السريع في مرمى العدالة

في يوليو 2023، فعلتها واشنطن:
فرضت عقوبات على الفريق عبدالرحيم دقلو، نائب قائد الدعم السريع، لدوره المباشر في مجازر الجنينة، والتهجير القسري، والإشراف على عمليات إبادة ضد المساليت.
كما شملت العقوبات كتيبة أبوشوك، المسؤولة عن مهاجمة مخيمات النازحين في شمال دارفور.

ثم في مايو 2024، جاء الدور على الزعيم الأعلى، محمد حمدان دقلو (حميدتي).
وزارة الخزانة الأميركية صرّحت بوضوح أن حميدتي منتهك جسيم لحقوق الإنسان، بموجب قانون ماغنيتسكي، ومتهم بالمسؤولية الكاملة عن قيادة قوات ارتكبت جرائم ضد الإنسانية.

بل أعلنت الخارجية الأميركية أن “قوات الدعم السريع، كتنظيم، مدرجة ضمن الكيانات المسلحة التي ارتكبت انتهاكات واسعة ضد المدنيين، قد ترقى إلى جرائم إبادة”.

الفصل الثالث: من يشارك في الجريمة… يشارك في العقوبة

في ظل هذه الخلفية، ظهر ما سُمّي بـ”حكومة تأسيس”. حكومة جديدة، لكن بجنرالات قدامى، ودماء لم تجف بعد.
وزراء مدنيون، ونشطاء عائدون من المنفى، وإعلام يزيّن كل شيء بورق وردي.

لكن الحقيقة القانونية صلبة:
كل من يشارك حكومة يسيطر عليها تنظيم مسلح خاضع لعقوبات حقوقية، معرض للملاحقة.

لا فرق إن كنت تكنوقراطًا، شاعرًا، أو رئيسًا للوزراء.
إذا جلست على طاولة واحدة مع حميدتي، فإنك تجلس داخل ملف ماغنيتسكي، وتنتظر فقط توقيع المحقق.

القانون لا يرحم الساذجين، ولا يستثني “المدنيين ذوي النوايا الطيبة”.
بل إن التاريخ الحديث — من رواندا إلى البوسنة — أثبت أن المشاركين المدنيين في حكومات الجرائم يُلاحقون لاحقًا كمسهّلين أو شركاء صامتين.

الفصل الرابع: الكونغرس لا يوزّع شرعية بالمجان

الموقف الأميركي لا يتوقف عند وزارة الخزانة.
في جلسات الاستماع التي عقدها الكونغرس الأميركي خلال 2023 و2024، وصف أعضاء لجنة الشؤون الأفريقية الدعم السريع بأنه:

“قوة إبادة منظمة، مسؤولة عن تدمير النسيج الاجتماعي والسياسي للسودان”.

وقد نصّت مذكرات السياسة الأميركية الخاصة بالسودان على الآتي:
• لن يتم الاعتراف بأي حكومة تحت سيطرة قوات الدعم السريع.
• ولن تُستأنف أي شراكة اقتصادية أو أمنية مع سلطة ناتجة عن انقلاب أو إبادة.
• كل من يشارك سياسيًا مع ميليشيا منتهكة للإنسانية سيخضع للتقييم الفردي… والعقوبة لاحقًا.

هذه ليست مجرد لغة دبلوماسية، بل إعلان صريح أن حكومة “تأسيس” في صورتها الحالية فاقدة للاعتراف الكامل من الكونغرس.

الفصل الخامس: أوروبا… صوت أكثر هدوءًا، لكن لا يقل قسوة

أما الاتحاد الأوروبي، فلا يصدر عقوبات بذات سرعة أميركا، لكنه يربط كل تعاونه بمعايير حقوق الإنسان.

في بياناته الرسمية، رفض الاتحاد التعامل مع “سلطات الأمر الواقع”، وأكد أن دعمه سيذهب فقط إلى المبادرات الإنسانية، والمنظمات المدنية، وجهود السلام المستقلة.

كما أشار دبلوماسيون أوروبيون بشكل غير مباشر إلى أن حكومة تقودها أو تهيمن عليها ميليشيا متهمة بالإبادة لا يمكن أن تكون شريكًا سياسيًا أو اقتصاديًا مشروعًا.

اوريا ستكون اقسي علي الدعم السريع فهي تحاول غسل يدها من شراكة الدعم السريع و ملايين اليوروهات التي ذهبت الي جيوب حميدتي حتي يوقف الهجرة الي اوربا و اليوم ها هو يهدد بإغراق اوربا بالمهاجرين غير الشرعيين.

لذلك، فحتى لو لم تُفرض العقوبات الأوروبية رسميًا بعد، فإن “تأسيس” ماضية في طريقها إلى العزلة، شرقًا وغربًا.

الفصل السادس: التأسيس على أنقاض الدولة

الآن، وبعد كل هذا، ما الذي تعنيه هذه الحكومة التي تُسمّى “تأسيس”؟

هي ليست تأسيسًا لدولة، بل تأسيس لمنفى دولي.
هي ليست حلاً سياسيًا، بل حيلة تكتيكية لتقنين سلطة القوة.
هي ليست نقطة انطلاق، بل فخّ قانوني لكل من يقبل أن يكون فيه وزيرًا، أو مستشارًا، أو حتى “ناشطًا تقنيًا”.

الذين يدخلون في هذه الحكومة اليوم، سيدخلون ملفات التحقيق غدًا، وربما محاكم لاهاي بعد ذلك.

النهاية: كل طرق الخرطوم تؤدي إلى لاهاي

قانون ماغنيتسكي لا يسقط بالتقادم، ولا تُجدي معه بيانات إنشائية.
الكونغرس لا يوزّع شرعية على حكومات تولد من رحم المقابر الجماعية.
الاتحاد الأوروبي لا يضع يده في يد مَن يلوّثها بدماء المساليت.

وهذه ليست حكومة تأسيس — بل حكومة تأثيم.

السودان لا يحتاج إلى طاولة جديدة تُحكم بالحديد، بل إلى مساءلة تُبنى بالحقيقة، وعدالة تعيد بناء الإنسان.

وإلى حينها، ستبقى حكومة الدعم السريع تحت الرقابة، وأعضاؤها في المهبّ القانوني، ودولتها معلقة بين دفتر التحقيق… وذاكرة الضحايا.

البلد نيوز

البلد نيوز صحيفة إلكترونية تهتم بالشأن المحلي والعربي والعالمي معًا، مستندة على المصداقية ونقل الصورة كما هي للأحداث، وتمنح البلد نيوز للمبدعين والكتَّاب ساحة للإبداع وطرح الأفكار، وتسعى إلى دعم كل ما هو جديد ومفيد في شتى المجالات.
زر الذهاب إلى الأعلى