*عبدالقادر دقاش يكتب ..تِلْكَ الْأَمْثَال*

لا تخلو الأمثال السودانية من غرابة وطرافة. ولا تخلو كذلك من دلالة تخص حيزها الجغرافي الذي أوجدها. وبالرغم من أن كثيرين قد صوبوا سهام النقد لبعض الأمثال السودانية التي تدعو للاستكانة والاستسلام مثل: (الخوَّاف ربى عيالو) و (إن كترت عليك الهموم أدمدم ونوم). أو تلك التي تدعو للأنانية وحب الذات: (جلدا من جلدك جر فيه الشوك) و (دار أبوك كان خربت شيل ليك منها عود)، أو تلك التي تقنن للفساد والمفسدين: (كاتل الجدادة وخامي بيضها)-إلا أن قناعة هؤلاء لم تتزعزع أبدا في المثل القائل: القلم ما بزيل بلم.
ومما يحكى أن إحدى القرى احتفلت بمحو أمية آخر شخص أمي فيها، وتداعى للحفل الذي أقيم بهذه المناسبة جمع من الناس، وحضره كبار المسؤولين في الدولة، الذين كالوا المدح والثناء، وأجزلوا في إعطاء الوعود! وانتهى الحفل بافتتاح كلية تكون نواة لجامعة فيما بعد.
لم يمض وقت طويل على الاحتفال المشهود، ولم يتقادم عهد الصحف التي طارت بالخبر، ولم تكف وسائل التواصل الاجتماعي عن الكتابة وتناقل الخبر بشيء من المبالغة، فوسائل التواصل لا تأبه للأحداث العادية! حتى مر بالقرية التي يقرأ جميع أفرادها (تانكر) محملا بالوقود، ولسوء حظ (التانكر) أنه اصطدم بإحدى الشاحنات التي تمر بذات الطريق، وبدأ الوقود في التدفق منه، وكان شهود العيان الذين هرعوا إلى جلب مواعينهم لتلقف الوقود المتدفق، يقرأون الكلمات التي كتبت بخط عريض وواضح: خطر ممنوع الاقتراب، سريع الاشتعال…لم يكن (التانكر) المشتعل لأب أي واحد من هؤلاء الناس، لكنهم مع ذلك جاءوا ليأخذوا (أعوادهم) حصة من الوقود السايب. وقد جاء في قولهم: المال السايب بيعلم السرقة… ومال الدولة المسلوب (سايب) لذلك لم يترك فيه الذين يقرأون في صلاتهم (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ) (نفَّاخ النار)، ولم يكتفوا بقتل (الجدادة وخم البيض) لكنهم استحلوا أكل الميتة من غير اضطرار، وهم يتلون الكتاب! (أَبْلَم مُوشقي شقي البتكلم معاه)؟!